تعاني تركيا منذ 28 يوليو/تموز 2021 من حرائق طالت العديد الغابات في حوالي 46 محافظة جنوب وجنوب غربي البلاد من ضمنها أنطاليا وموغلا ومرسين، ما جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعلن هذه المناطق مناطق منكوبة.

وفيما جرت السيطرة على معظم الحرائق ما زالت تركيا تكافح حتى مساء 10 أغسطس/آب الجاري للسيطرة على حريقين كبيرين بمحافظة موغلا غربي البلاد.

وأمام هذا الحدث غير المسبوق الذي استنفرت الدولة التركية كافة إمكاناتها للسيطرة عليه برز تساؤل كبير منذ اليوم الأول للحدث عن السبب الحقيقي وراء اندلاع هذه الحرائق: هل هو بسبب تغير المناخ الذي أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة وتناقص نسبة الرطوبة وسرعة الرياح وما إلى ذلك من أسباب طبيعية؟

أم هو بفعل فاعل أشعل عن عمد أجزاء من هذه الغابات مستغلاً الظروف البيئية في سياق التخريب والتحريض على الحكومة التركية من خلال إشغالها بهذه الأزمة وتحميلها المسؤولية عن الخسائر الفادحة التي وقعت في الأرواح والممتلكات وعلى مستوى المصالح والقطاعات المختلفة وعلى رأسها قطاع السياحة.

ومع أن تركيا تواجه سنوياً حرائق في بعض الغابات إلا أن اتساع نطاق الحرائق وتزايد أعدادها في أوقات متقاربة كان مختلفاً هذه المرة حيث وقع أكثر من 214 حريقاً مما رفع علامات الاستفهام حول أسباب تزامن هذه الحرائق واتساع نطاقها، خاصة أن الإحصاءات تشير إلى أن معدل الحرائق السنوي في تركيا لا يتجاوز 10 آلاف هكتار وقد تجاوز هذه المرة مئات آلاف الهكتارات.

وقد أشار العديد من الكُتاب والنشطاء الأتراك إلى وجود احتمالات كبيرة لقيام جهات معادية للدولة بالوقوف خلف هذه الحرائق خصوصاً في ظل التجارب السابقة .

ومع ذلك لم تشر الحكومة بشكل رسمي إلى وجود تورط جنائي أو تخريبي خلف الحرائق مع أنها لم تُسقط هذا الاحتمال كلياً وأشارت إلى استمرار التحقيقات، وقد حث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجميع على "انتظار نتائج التحقيقات التي تجريها السلطات للوقوف على أسباب حرائق الغابات المتزامنة في البلاد".

وعلى كل الأحوال ستقوم تركيا خلال الأشهر والأعوام القادمة برفع مستوى إمكاناتها وتدابيرها لمنع تكرار هذه الحرائق سواء كانت بفعل التغير المناخي أو بفعل فاعل وعلى الأغلب ستعزز تركيا رقابتها الأمنية على مناطق الغابات وستستخدم تركيا طائراتها بدون طيار لمراقبة الغابات.

هل حرائق تركيا مفتعلة أم طبيعية ؟ :-

وحول هذا التساؤل تحدث الخبير المتخصص بالحرائق وأسبابها وطرق مكافحتها، محمد الأيوبي، لـ”وكالة أنباء تركيا”، حيث شدد أن “أشعّة الشمس وأعقاب السجائر والزجاج لا تسبّب الحرائق مهما كانت درجة الحرارة مرتفعة، مع العلم أن درجة الحرارة في تركيا ولبنان تعتبر معتدلة حاليا”.

وتابع قائلا “والدليل على ذلك هو أن المملكة العربية السعودية والكويت وغيرها من دول الخليج فيها مساحات شاسعة من المزارع وأشجار النخيل والبقع الخضراء، وتصل درجات الحرارة فيها إلى 55 و60 درجة مئوية، ولكنها لا تسبب الحرائق”.

وعزا الأيوبي سوء المعلومات الشائعة إلى “مشكلة أن وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تحذّر دائماً من اندلاع حرائق عند ارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي يرسّخ في الأذهان فكرة مغلوطة بأن اندلاع الحرائق وارد جداً لأبسط الأسباب”.

وقال الأيوبي إن “95% من الحرائق تكون مفتعلة عن سابق إصرار وتصميم، والـ 5% المتبقة تحدث نتيجة قيام أشخاص بأعمال التنظيف وحرق النفايات النباتية المتكوّنة من تشذيب الأشجار والأعشاب اليابسة (التشحيل) دون دراسة الظروف المناخية وحركة الرياح والانتباه إلى ما يمكن أن ينتج عن ذلك من اندلاع للحرائق”.

ولدى سؤاله عن الحرائق التي حدثت في تركيا، أكد الأيوبي أنها “مفتعلة ومتعمّدة عن سابق إصرار وتصميم، ويمكن الاستعانة بالأقمار الصناعية لتأكيد ذلك.. إضافة إلى أن أنواع الأشجار الموجودة في القرى والأماكن السياحية المعروفة بجمالها ونظافتها، لا يمكن أن تشتعل، لأن أشعّة الشمس لا تخترق الشجر، وهذه الأشجار الكثيفة لا يمكن أن تشتعل إذا لم تُسكَب مواد قابلة للاشتعال على جذوعها حيث توجد نفايات نباتية”.

وحسب الأيوبي فإن “هذه النفايات النباتية هي عبارة عن أوراق وغصون الأشجار التي تتساقط مع مرور الوقت ما يشكّل طبقة صمغيات من 15 إلى 25 سنتيمتر، أو طبقة من القش تتكون تحت الأشجار كالصنوبر، إضافة إلى طبقة من بقايا النباتات اليابسة التي تنبت في الربيع وتموت في الصيف”.

وأضاف “لذلك عندما يتم إحراق هذه النفايات النباتية بسكب مواد مشتعلة عليها، تتصاعد منها ألسنة النار التي يختلف ارتفاعها وقوّتها حسب كمية النفايات المحترقة، إلى أن تطال أغصان الأشجار غير اليابسة وتنشر الحريق”.

وأوضح الأيوبي أن “مفتعلي الحرائق يختارون التوقيت الذي يتزامن مع رياح متوسطة السرعة أوسريعة، ويختارون أماكن المنحدرات الجبلية، فعند إشعال نيران في هذه الأماكن يزيد ذلك من سرعة اشتعال النيران وامتدادها، لينتج عن ذلك أكبر ضرر ممكن”.

ووفقا للأيوبي “يختلف التعامل مع إخماد هذه الأحراج باختلاف أنواع الأشجار المحترقة، فمثلا السنديان سريع الاشتعال والامتداد، والصنوبر يحتوي على مواد صمغية قابلة للاشتعال السريع، وينتج عنها ما يسمى البرّاقات النارية، وهي ناتجة عن عصف الرياح في الغصون الرفيعة أو القش الذي بدأ في الاحتراق فيصنع تكثّفاً لعوامل الاشتعال والانتشار”.

وتابع “وفي حالة شجر الصنوبر، فعندما تحترق ثمارها تتساقط وتتدحرج ناشرةً الحريق، كذلك الأمر بالنسبة ثمار البلوط في شجر السنديان، التي تنفجر وتتدجرج عندما تحترق”.

ونصح الأيوبي بـ”تدريب الفرق جيدا على تقنية إخماد الحرائق الصحيحة، فحتى لو كان الفرد في الدفاع المدني وفرق الإطفاء، إذا لم يتمتع بالإدراك للتعامل الصحيح والعمل على إخمادها ومنع انتشارها وتبريدها، سيتسبب ذلك في خسارات كبيرة في الأرواح والغابات والمحاصيل الزراعية والممتلكات”.

وكشف الأيوبي أن “من يقومون بإشعال هذه الحرائق هم مجموعاتٌ منظمّة لرصد أي حركة مرور والتنقل بسرعة والهرب بُعيد الإشعال”.

وقال إن “أي حريق يعني خسارة طبيعية ومناظر خلابة وثروة حيوانية تقتل أو تهاجر، فيما الخسارة الكبيرة هي أن شجر الصنوبر لا يمكن أن ينمو من جديد، بينما السنديان فينمو من جديد مع مرور السنوات”.

وشرح الأيوبي أن “الخطة الواجب اتّباعها لتفادي الحرائق من المنبع هي تشذيب الأشجار (التشحيل) من الأغصان المتدلّية التي تشكّل كثافة وتداخلاً بينها، ونمنع بذلك وصول ألسِنة النار إلى الأغصان غير اليابسة، ويصبح اشتعالها بطيئاً، والتدخل لإخماد الحرائق بشكلٍ أسهل يؤدي إلى تقليل الخسارات في الثروة البيئية والطبيعية والحيوانية وحتى السياحية”.

وأكد أن “إخماد الحرائق لا يتمّ بشكل عشوائيّ، بل له أسالبه وطرقه ومبادئه. وهي محاصرة النار في اتجاه واحد لمنع امتدادها، ومن ثم إخمادها، ومن ثم تبريدها”.

وبالعودة إلى درجات الحرارة، قال الأيوبي إنه “يمكن الجزم أن ارتفاعها لا يسبب الحرائق بالنظر إلى اشتعالها في مكان معيّن، وعدم حدوث ذلك في مكانٍ مجاور رغم التطابق في درجات الحرارة”.

واستدرك أنه “حتى الفلاحين والمزارعين وأهل القرى في أي مكان في العالم يعرفون أن ارتفاع درجات الحرارة لا يؤدي إلى اندلاع حرائق”.

وحول أساليب افتعال الحرائق، قال أيوبي إنه “يتم اللجوء إلى عدة أساليب لافتعال الحرائق، مثلاً عبوّة المولوتوف التي يملأونها بالبنزين ويغلقونها ويربطونها بفتيل أو بقطعة قماش مبللة بالمازوت أو الزيت ويشعلونها ويرمونها بضربة قوية على الأشجار أو الأحجار. عندها تنفجر بقوة لأنها تحتوي على مواد قابلة للاشتعال هي البنزين الذي ينتشربسرعة ويسبب الحريق”.

وتابع أن “هناك أساليبأخرى عبر تهريب إطارات السيارات والقيام بدحرجتها في الوديان أو على أطراف الطريق عند المنحدرات لتسبب الحرائق”.

وأضاف “كذلك يقوم البعض باستخدام السلاحف عبر لصق جسم معدنيّ على ظهر السلحفاة ووضع شمعة داخله وسط بقعة زيت كي لا تنطفئ الشمعة بسهولة، وبسبب الخوف تتخط السلحفاة وتمشي بشكل عشوائي للتخلص من النار، لتنتشر معها الحرائق”.

وذكر أسلوبا آخر وهو “رميُ كراتٍ مشتعلة عن بعد عبر رمي شعلة نار باستخدام المطاطات، وأينما وقعت تشتعل النيران”.

وأضاف الأيوبي “باختصار يمكن القول إن أشعة الشمس لا يمكن أن تخترق الأشجار ووارتفاع هذه الأشجار يعني أنه لن يندلع أي حريق في أي من الغابات والأحراج في كلّ بقاع الأرض، إلا إذا تم سكب مواد قابلة للاشتعال على النفايات النباتية أو افتعال مسببات الحرائق عن قصد”.

أما عن أهداف افتعال الحرائق، فقال الأيوبي إنها “تتعدد، لكنّ أبرزها يمكن أن تكون: إرهابية، أو مشاكل متعددة مذهبية أو طائفية أو سياسية، أو ثأرية أو ميراثية، أو في حال كانت أرض مصنّفة زراعية فتمنع الدولة مالكها من البناء عليها، أو يحرقون الشجر الكبير لتغطية جريمة قطع الأشجار”.

وربطَ الأيوبي بين “شكل حرائق لبنان وشكل حرائق تركيا، بالحسم أنها مفتعلة، وتساعد على اقترافها عوامل عدة متشابهة، كالتقصير في المراقبة، وانخفاض عدد مراقبي الأحراج، مع ما يرافق ذلك من تسيّبٍ وتمويهٍ لتغطية الجريمة”.

المصدر : وكالات