تغيرت أنظار الفلسطينيين بعدما كانت مصوّبة تجاه مباحثات إسطنبول بين حركتي "حماس" و"فتح" بتحقيق الملف الشائك منذ 14 عامًا، لتصبح البوصلة موجهة تجاه جمهورية مصر العربية.
هذه المرة، تحوّلت العيون للقاهرة، لمعرفة ما آلت إليها الحوارات بين "حماس" و المسؤولين المصريين، وما يرافقها من أمل بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنـية.
وأمس الإثنين، وصل وفد "حماس" إلى العاصمة المصرية، يرأسه نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري، وعزت الرشق، فيما التحق بهما من غزة عضوا المكتب خليل الحية، وروحي مشتهى.
وصرح أمين سرّ اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب أن "الأيام القليلة المقبلة ستحمل اتفاقًا وطنيًا بين فتح وحماس بوساطة القاهرة".
وهنا تحديدًا، يطرح سؤال: هل مصر قادرة على تحقيق اللحمة الفلسطينية الداخلية وإعادة المياه لمجاريها؟.
"الوطنية" لم تترك الباب مفتوحًا على مصراعيه، وطرقت أبواب العديد من المحللين السياسيين لمعرفة خيارات المرحلة المقبلة، وإمكانية إحراز تقدم ملموس على أرض الواقع يشعر به المواطنون بعدما تذوقوا ويلات الانقسام.
أهمية
الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب، قال إن توقيت زيارة وفد "حماس" لمصر، في بالغ الأهمية بعنوان واضح عبر إعادة ترميم العلاقة والتأكيد على دور الأخيرة برعاية الملف الفلسطيني.
وأوضح الغريب، أن الزيارة تأتي للتباحث مع المسؤولين المصريين إمكانية دفع عجلة المصالحة وتحقيق مسار الوحدة الفلسطينية في الوقت الذي تتعرض لضغوط من أطراف وقوى إقليمية في المنطقة لإفشال هذه الجهود.
وأشار إلى أن مصر دورها محوري، وأن ما جرى في إسطنبول ليس بديلًا، بل يمكن البناء عليه واستكماله، لافتًا إلى أن القاهرة تعد الضامن الوحيد للملف الفلسطيني والقادرة على إنجازه.
ونوه إلى أن مصر ترعى عدة ملفات: المصالحة والتهدئة والعلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى ملف التبادل الذي بذلت فيه جهدًا مؤخرًا ولم ينضج حتى هذه اللحظة.
وبين أن نجاح ملف المصالحة هو بوابة ومدخل رئيسي لدفع باقي الملفات، إذا ما تحققت المصالحة بشكلٍ عملي وحقيقي.
وأضاف: "هذا بكل تأكيد سيساعد جميع الأطراف سواء حركة حماس من جهة، والقاهرة من جهة أخرى، على إعادة ترتيب الأوضاع من جديد في المنطقة، بمعنى أن نجاح ملف المصالحة هو دفعة لإنجاح باقي الملفات سواء على صعيد التهدئة أو البحث في قضية إحداث اختراق في ملف تبادل الأسرى".
ونبه إلى أن الاحتلال موافق على الفصل بين الملفات، وعدم ربط استعادة الأسرى وجثامين الجنود الوجودين عند "حماس" بإحداث انفراجة في غزة؛ وهذا مؤشر يشجع الوسطاء بالخوض مجددًا لإحداث اختراق واضح في ملف تبادل الأسرى على وجه الخصوص.
ونهاية الشهر الماضي، اجتمعت "فتح" و"حماس" في تركيا لأول مرة في إطار تطبيق مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية في العاصمة اللبنانية بيروت، وللعمل على تحقيق اللحمة الداخلية وإنهاء للانقسام.
وضم وفد "فتح" أمين سر اللجنة المركزية جبريل الرجوب، وروحي فتوح، في حين ضم وفد "حماس" صالح العاروري وحسام بدران.
الراعي
بدوره، قال الأكاديمي والمحلل السياسي وائل المناعمة، إن الفصائل أجمعت بأهمية إنجاز ملف المصالحة، وما تم الاتفاق عليه في إسطنبول كان من المفترض أن يصدر مرسوم عن الرئيس محمود عباس بالدعوة للانتخابات بداية شهر 10 الحالي، أو بداية شهر أكتوبر.
وأكد المناعمة، أن عدم إصدار المرسوم أصاب الفصائل والشعب الفلسطيني بنوع من الإحباط، بعد تكرار التجربة أكثر من مرة.
وأوضح أن هناك علاقات استراتيجية تنسقها القاهرة في التعامل مع ملف قطاع غزة تحديدًا بما يتعلق بالهدنة مع الاحتلال أو حتى ملف المصالحة والحدود ومعبر رفح وصفقة التبادل، والتي ترعاها مصر كما أكدت "حماس" أكثر من مرة.
وتابع: "الأصل الدعوة لتشكيل حكومة وطنية قبل الدعوة للانتخابات، ولا يمكن إجراء الانتخابات والانقسام حاضر، إلى جانب العمل على إنجاز الوحدة الوطنية باتفاق جميع الفصائل عليها على رأسهم حركتي فتح وحماس".
وبين أن الشعب الفلسطيني بدأ شعور الإحباط يتدفق إليه نتيجة التأخير والتسويف في إنجاز ما تم الاتفاق عليه خاصة في إسطنبول واجتماع الأمناء العامين في بيروت.
ولفت إلى أن مصر تعتبر نفسها هي الراعي الوحيد للملف الفلسطيني، وتتعامل مع قطاع غزة بطريقة أمنية بالدرجة الأولى، منوهًا إلى أن جميع الوفود التي خرجت من القطاع يتم استقبالها بمبنى المخابرات ولا يتم استقبالها على بعد سياسي.
وكشف عن أن الاحتلال فوّض مصر كدولة عربية وحيدة مهمتها رعاية الملفات الأساسية كالهدنة وتبادل الأسرى، مشيرًا إلى أن الأخيرة لا تسمح لأي جهة أن تكون راعية لهذا الملف.
أدوات
فيما رأي المحلل السياسي مصطفى الصواف، أن الإرادة الفلسطينية قادرة على تحقيق المصالحة، مشيرًا إلى أن تركيا، ومصر، وقطر، أدوات لاحتضان الحوار الفلسطيني من أجل التوصل إلى توافق ينهي الانقسام.
وقال الصوّاف، إن القاهرة ترعى هذا الملف من خلال اللقاءات والحوارات الفلسطينية، مؤكدًا أنها لا تستطيع فرض رأيها على المتحاورين فيما لو كانوا مختلفين فيما بينهم، بدليل أن الفترات الماضية جميعها لم تحقق أية نتائج.
وعبّر عن آماله بأن يصل الطرفان إلى نتائج إيجابية في إنهاء الانقسام خلال الفترة القادمة عبر لقاء الأمناء العامين مرة أخرى في القاهرة.
ولفت إلى أن ملف تبادل الأسرى لا علاقة له بالمصالحة، مبينًا أن علاقته خاصة بـ "حماس" والاحتلال والوسطاء، وعلى ما يبدو أنه من ضمن الموضوعات التي سيتم مناقشتها في القاهرة.
ويبقى الأمل معلقًا كل مرة بين فؤاد المواطنين، بالدول الحاضنة للحوارات الفلسطينية، راجين تحقيقها بعد فشل العديد من المحاولات، لرفعهم من غيابة الجب التي تذوقها على مدى 14 عامًا.
المصدر : وجيه رشيد- الوطنية