اللسان والأسلوب في فرض القوة على طرف من الأطراف، هي اللغة التي استخدمتها كلاً من "إسرائيل" والمقاومة في غزة، في فرض معادلة الردع بينهما.
المتتبع لما يحدث خلف الكواليس، يجد أن "إسرائيل" استخدمت لغة القوة واحتمالية شن عملية عسكرية برية كبيرة تستهدف قطاع غزة.
هذه اللغة جاءت على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أولاً ثم لحقه وزير جيشه نفتالي بينيت، عقب إعادة "البالونات الحارقة والمفخخة" للخدمة بكل قوتها كما ظهرت مع بداية مسيرات العودة وكسر الحصار أول مرة في 31/ مارس للعام 2018.
تلك السياسة الممنهجة التي تتبعها الفصائل تؤكد أن الحق لا يسترد إلا بالقوة، حيث جاءت وفود وغادرت أخرى، بعضها تعهد بتقديم تسهيلات والأخرى جلبت معها لغة الوعيد بأن "إسرائيل" لن تقبل بهذا الوضع في إشارة إلى "البالونات المتفجرة" التي تطلق من القطاع لمستوطنات "غلاف غزة".
بعد جملة التهديدات، خرج قائد حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار للعلن مصرحاً بأن حركته ستجعل أي قائد في الاحتلال يفكر بعملية عسكرية ضد غزة، يأسف على يوم ولادته متعدهاً بتحويل المدن الإسرائيلية إلى "مدن أشباح".
السنوار هدد في أحد لقاءاته، المنظمة الأمنية الإسرائيلية برشق "تل أبيب" بعشرات الصواريخ والقذائف حال اندلاع المواجهة، مردفاً: "سنضرب تل أبيب على مدار ستة أشهر في أي مواجهة قادمة".
وبوقت التهديدات المتبادلة، قررت "إسرائيل" كسب المزيد من الوقت كون الانتخابات العامة لـ "الكنيست" على الأبواب حيث مقرر عقدها في الثالث من مارس القادم، فقررت تقديم جملة من التسهيلات للقطاع لكون غزة أصبحت من تتحكم بالانتخابات الإسرائيلية، وهذا ما أكده الخبير بالشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر.
وقال أبو عامر لـ "الوطنية" إن "البالونات الحارقة" باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على انتخابات "الكنيست" وهي التي ستحدد طريقها ونتائجها.
وأكد أن نشر صورة لقتيل إسرائيلي واحد في "غلاف غزة" يساوي آلاف الكلمات التي ألقاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب إعلان "صفقة القرن".
وشدد على أن حركة "حماس" بات لها تأثير حاسم في تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة، لأن الحركة أدركت في سنوات سابقة تأثير الهجمات المسلحة على مستقبل الانتخابات الإسرائيلية.
وأضاف: " حماس تدرك جيدا قواعد اللعبة السياسية في إسرائيل، إنها تعرف اليوم أن كل بالون ينطلق باتجاه إسرائيل عشية الانتخابات يزيد من مصلحة نتنياهو بضرورة التوصل معها إلى اتفاق وقف إطلاق النار يمكن تسميته تسوية".
وتابع: "حماس بات لها الدور المركزي في نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وأي مقعد هنا أو هناك في الكنيست كفيل بتغيير وجهة تشكيل الحكومة القادمة، واليوم يبدو الليكود بحاجة ماسة لرحمة حماس في غزة، ويتطلب من رئيس الحكومة أن يلجأ لضبط النفس فيها، لأن مصيره السياسي بات معلقا ببالون حارق".
كل تلك الأسباب، جعلت الاحتلال يعيد النظر بقراراته العدوانية تجاه غزة المحاصرة، فقدمت رزمة مساعدات وتسهيلات لعلها تعيد المياه لمجاريها وتحقق بعض الهدوء لحين الانتهاء من الانتخابات، فتمكنت غزة من انتزاع شيئاً ملموساً على أرض الواقع يتمثل بزيادة تصاريح التجار ودخول الإسمنت وزيادة مساحة الصيد.
ويبقى السؤال الأهم الذي أضحى يراود عقولنا: هل ستستمر هذه التسهيلات المقدمة لغزة وتبقى إسرائيل ملتزمة بتفاهمات وقف إطلاق النار؟، أم أنها خطة استراتيجية لكسب الوقت من قبل إسرائيل؟ حيث تهدف لاستعادة قوتها عبر وحدتها الشبه مدمرة نتيجة الخلافات الداخلية كون نتنياهو ملاحق بتهم الفساد وغانتس يريد الإطاحة به والسيطرة على الحكم، ومن ثم ضرب المقاومة الفلسطينية في مقتل بالوقت الذي يعاني فيه القطاع من ارتفاع نسبة الفقر والبطالة.
هذه التساؤلات وغيرها تبقى رهينة الاعتقال وطوفانها على السطح مرتبط بالانتخابات العامة الإسرائيلية المقبلة التي ستحدد الأمور إلى ماذا تسير وما هو طريقها، إما تخفيف وإما جحيم.
أما صحيفة "هآرتس" الإسرائيلي، فاعتبرت أن التسهيلات الجديدة التي قدمتها "إسرائيل" قبل يومين في قطاع غزة تعدّ إنجازاً كبيراً بالنسبة لزعيم حركة "حماس" يحيى السنوار.
وأكدت الصحيفة، أن السنوار استطاع من خلال مواصلة ضغوطاته التي وصفتها بـ "العنيفة" الحصول على كل مطالبه.
وقال المحلل العسكري بالصحيفة عامول هرئيل، إن قائمة التسهيلات هي في العادة لا تنشر بشكل رسمي في "إسرائيل"، خلافاً لما هو معتاد من نشر العقوبات الجديدة التي يتم فرضها، هي تسهيلات بعيدة المدى تمت المصادقة عليها للغزيين منذ أن سيطرت "حماس" على القطاع في حزيران 2007.
ويرى المحلل هرئيل، أن الخطوة الأكثر أهمية بالنسبة للفلسطينيين هي توزيع 2000 تصريح عمل للعمال الذين يصنفون بأنهم تجار، مشيراً إلى أن هذه التسهيلات مثل الهواء بالنسبة لغزة وهو يضاف إلى تسهيلات أخرى حصلت عليها "حماس" مؤخراً من "إسرائيل" بوساطة المخابرات المصرية، ومنها توسيع منطقة الصيد المسموح بها لـ 15 ميلاً؛ وإدخال كمية كبيرة من الإسمنت لغرض البناء دون تطبيق نظام الرقابة المتشدد الذي تم اتباعه في القطاع بعد الحرب الأخيرة على غزة عام 2014، والمصادقة على إدخال مواد هندسية تم تأخيرها في إسرائيل لسنين، والوعد بالعودة إلى الدفع قدماً بشكل سريع لمشاريع كبيرة للبنى التحتية.
وشدد على أن "حماس حصلت الآن على ما لم تنجح في ابتزاز إسرائيل به خلال سنة ونصف من الاحتجاجات على الحدود".
ويعتقد المحلل في صحيفة هآرتس أن الاستخدام الذكي والمحدود "للعنف" مؤخراً من قبل حماس وإطلاق البالونات التي علقت بها عبوات ناسفة، وإطلاق محدود للصواريخ والقذائف حقق لها هذا الإنجاز.
وعلل سبب سكوت "إسرائيل" عن الرد "هذا لم يكن ليحدث لو أن إسرائيل لم تكن موجودة في حمى الانتخابات، و"حماس" لاحظت الضائقة السياسية التي تمر فيها حكومة نتنياهو، واستمرت بالضغط وحصلت في هذا الأسبوع على التسهيلات، بالطبع يجب الأخذ في الحسبان بأن رئيس الحكومة يحضر مفاجأة عملياتية لحماس، مثلما ألمح في الأسبوع الماضي، ولكن حسب ما حدث حتى الآن على الأرض، فإن حماس حصلت من إسرائيل على تسهيلات".
واختتم هرئيل "في سيناريو متفائل، قد تكفي التسهيلات لضمان الهدوء حتى موعد الانتخابات للكنيست في 2 آذار القادم، وبعد ذلك سيكون على الطرفين الانشغال بتسوية على المدى البعيد، الجيش الذي أيد التسهيلات خلال الأشهر الأخيرة يواصل إظهار درجة من التفاؤل بالنسبة للقطاع، وقريباً سنعرف إذا كان على حق". على حد قوله.
المصدر : الوطنية- وجيه رشيد