لم تترك الظروف المعيشية الصعبة والأوضاع الاقتصادية المستعصية قطاع غزة إلا وغيرت مسالكه، فأصبحت الحياة خارج صندوقها المعتاد ليعيش أبناؤها حالة استثنائية طرقت أبوابهم وأتت على ملابسهم وأطعمتهم، غيرت خياراتهم وضيقت عليهم اختياراتهم.
هذه الظروف التي فرضها عليهم ضنك الحياة القاسية، كان سببها الأساسي الاحتلال الإسرائيلي والإغلاق المستمر للمعابر والحدود، التي كانت تقل البضائع والملابس والأطعمة إضافة لتقليص رواتب موظفي السلطة لما دون النصف، حيث أنهم يعدون الشريحة الأكبر المحركة للأسواق.
القطاع يعاني من ارتفاع نسب البطالة والفقر بين صفوف المواطنين، مع تراجع مستويات الدخل اليومي لدى الفرد لـ (2 دولار)، حيث يعد الأسوأ عالمياً.
وبلغة الارقام، نجد أن نسبة الفقر وصلت إلى نحو 85%، ونسبة البطالة وصلت إلى ما يقارب 70 % بصفوف الشباب، فيما 350 ألف عامل عاطل عن العمل بشكل دائم، وهذا كله يعود إلى ذات الأسباب التي ذكرناها.
رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب جمال الخضري قال إن الواقع في قطاع غزة صعب جداً، والحصار الإسرائيلي رفع معدل البطالة بين فئة الشباب إلى 70%، في رقم مخيف وصادم يعكس الواقع الإنساني الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.
وأكد الخضري، أن استمرار الحصار للعام الثالث عشر، وما تخللها من 3 حروب وتضييق وتراجع العمل في المصانع والمؤسسات والشركات وقطاع الأعمال، انعكاساته كبيرة على ارتفاع معدلات البطالة.
وبين أن إغلاق المصانع والورش والمحال التجارية أصبح بشكل شبه يومي، ما انعكس على واقع الشباب والعمال، حيث 300 ألف عامل مُعطل عن العمل، وعشرات الآلاف من الخريجين دون بارقة أمل.
كل تلك الأسباب وغيرها، أجبرت المواطنين العزل بغزة لجعل أنظارهم تتجه نحو الملابس المستخدمة بدلاً من الجديدة خصوصاً في فصل الشتاء، لرخص ثمنها وجودتها العالية وماركاتها المعروفة دولياً، لعلها تحميهم من البرد القارص والهواء الموجع.
وجع وألم
إسراء عياد أم لثلاثة أطفال، أكبرهن تبلغ من العمر 13 عاماً، وأصغرهن 5 سنوات، ترددت لشراء الملابس الشتوية المستخدمة كخيار بديل يقي برد الشتاء ومحاولة منها للتكيف مع ضنك الحياة القاسية التي أصبحت لا تفرق بين بشر أو حجر.
تقول إسراء لـ "الوطنية" بحرقة وكأن جبلاً ملقى على ظهرها بعدما ضربت كفيها ببعض: "أنا لو معي مصاري وفلوس بدي أروح اشتري ملابس مهترئة ومستخدمة؟ بروح على السوق النظيف وبشتري كل إشي حلو وجديد لأولادي".
وأضافت: الحياة صعبة والأمور متأزمة والأوضاع الاقتصادية خانقة والبرد مؤلم، كل تلك الأمور أجبرتنا على التوجه لـ "البالة" لتقينا بعض الشيء ونشعر ببعض الكرامة المسلوبة منذ سنوات طويلة.
وتابعت: "الواحد نفسه يعيش بغزة بذرة كرامة.. لما بشوف أبناء القادة والمسؤولين بلبسو أحدث الماركات وأجملها وأفضلها.. دمي بنحرق خصوصا لما بشوف أولادي مش قادرة أشتري الهم حاجة جديدة".
"قرش أبيض بنفع بيوم أسود"
أما هناء ريان فتؤكد أن السبب من وراء ذهابها لأسواق البالة وشرائها للملابس المستخدمة لأطفالها الأربعة ما هو إلا لرخص ثمنها وجودتها العالية وقدرتها على التحمل لسنوات طويلة.
وقالت هناء، خلال حديثها لـ "الوطنية" إن كل قطع "البالة" سواء كانت الصيفية أو الشتوية رخيصة الثمن وأستطيع شرائها، في حين لا يتجاوز سعر أفضلها الـ 7 شواكل، وهو سعر لا يذكر مقارنةً بالملابس الجديدة التي تصل ببعض الأحيان لمبالغ طائلة.
وأضافت: "لو كان معي مصاري ما بروح لأسواق البالة ولا بقرب نحيتها ولا بذل حالي، بس بنحاول نتكيف مع الظروف اللي احنا عايشين فيها من ذل وفقر وقهر وإذلال، ولهيك بنروح نشتري من البالة وبنسّكت حالنا وبنقول القرش الأبيض بنفع باليوم الأسود".
وعلى الرغم من كل الأوضاع الاقتصادية الصعبة والقاسية التي أتت على الحجر قبل البشر، إلا أن المواطنين بغزة ما زالوا يقاومون الحياة، وتبقى الابتسامة ممزوجة بالأمل، والتمني بأن تكون الأعوام القادمة أفضل.
المصدر : الوطنية - وجيه رشيد