شهد قطاع غزة منتصف شهر نوفمبر 2019، تصعيداً خطيراً عقب اغتيال "إسرائيل" للشهيد بهاء أبو العطا وهو أحد أبرز قادة الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في غزة، بالتزامن مع استهداف لمنزل مسؤول الدائرة العسكرية بالتنظيم أكرم العجوري في دمشق، في حين توعدت الحركة بـ"ردٍ مزلزل".
وبعد جولة تصعيد امتدت ليومين، فُرضت التهدئة من جديد بوساطة مصرية، إذ تعهدت "إسرائيل" بوقف سياسة الاغتيالات ووقف استهداف متظاهري مسيرات العودة وكسر الحصار مقابل الدخول في تهدئة مع حركة الجهاد الإسلامي ووقف إطلاق النار.
يشار إلى أن الأمور غزة و"غلافها" تشهد بين الحين والأخر إطلاق لرشقات صاروخية من قطاع غزة، فيما تقوم طائرات الاحتلال بقصف مواقع تابعة للمقاومة، وهذا الأمر بات بشكل شبه يومي منذ انتهاء جولة التصعيد الأخيرة.
وبالعودة لمرحلة التصعيد وما بعده، أعلنت الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة عن تأجيل فعاليات المسيرات لثلاثة أسابيع على التوالي، كان آخرها الجمعة الماضية، وذلك لخطورة الوضع الأمني على السياج الفاصل بين قطاع غزة و"إسرائيل"، ولـ "تفويت الفرصة على الاحتلال لارتكاب الجرائم واستهداف المتظاهرين"، كما جاء في بيان للهيئة.
قراءة بسيطة لملامح أكثر من أسبوعين على انتهاء جولة التصعيد الأخيرة، تظهر التخوف الفلسطيني من عودة سياسة الاغتيالات في هذه المرحلة، وكذلك خوض حركة الجهاد لهذا التصعيد منفردة دون تدخل من حركة "حماس" وتأجيل مسيرات العودة، وبدء بناء المشفى الميداني الأمريكي وغيرها من المعطيات التي تؤكد الانتقال لمرحلة جدية وفعلية في تنفيذ تفاهمات التهدئة مع الفصائل بغزة على أرض الواقع.
يُشار إلى أن الطائرة الإسرائيلية المُسيرة التي استخدمت في اغتيال "أبو العطا"، هي طائرة تستخدم في عمليات البحث والمراقبة والاغتيال، نظراً لمميزاتها التكنولوجية الكبيرة وقدرتها الكبيرة على المناورة، وأداء الحركات المُعقدة للغاية، وهذا دليل حقيقي على انتقال الاحتلال لمرحلة واضحة من مراقبة سير الخطة المتفق عليها داخل قطاع غزة دون أي تدخلات من شأنها إعاقة إزاحة ملف غزة على الأقل لـ10 أعوام مقبلة، والانتباه لملفات أخرى أكثر تعقيداً مثل "إيران" و"سوريا".
وفي ضوء ما سبق، قال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي خضر حبيب لـ"الوطنية" إن "قرار الهيئة الوطنية بتأجيل مسيرات العودة يأتي بعد دراسة عميقة للظروف والمعطيات الميدانية"، واصفاً إياه بـ"القرار السليم والمسؤول".
ولفت حبيب، إلى أن قرار التأجيل مرتبط بتهديدات "نتنياهو" بارتكاب مزيد من الجرائم وشن عدوان شامل على قطاع غزة، لحماية نفسه من الملاحقة على تهم الفساد، ولإشباع غريزته المتعطشة للدماء وإنقاذ نفسه في معركته السياسية داخلياً، "وهذه ما لا يمكن السماح به"، كما قال.
وأضاف أن إقدام الاحتلال على استهداف مجموعة من المدنيين شرق مدينة خانيونس مساء الجمعة ما أدى لاستشهاد أحد الشبان وإصابة أخرين، كشف نيته للغدر وارتكاب جرائم بحق المشاركين في مسيرات العودة.
وتابع حبيب، أن الاحتلال الإسرائيلي اعتاد على استهداف المدنيين، وأنه بات يعتمد على الدعم والغطاء الأمريكي، وذلك بعد انتهاء جولة التصعيد الأخيرة في القطاع.
وأكد حبيب أن حركة الجهاد الإسلامي والفصائل الفلسطينية تديران المعركة بما يحقق مصالح الشعب الفلسطيني، وتجنيبه أي مواجهة مع الاحتلال من شأنها التأثير عليه بشكل سلبي وغير متوقع، في هذه اللحظات خصوصاً.
المشفى الأميركي والجدل حوله
وفيما يتعلق بالجدل الدائر داخلياً، حول البدء ببناء وتجهيز المستشفى الميداني الأمريكي شمال قطاع غزة، قال حبيب إن "المشفى الأمريكي يأتي تنفيذاً لسلسلة الاتفاقات والمشاورات التي عقدتها الفصائل والاحتلال بوساطة مصرية"، كما أنه "سيسهم في علاج العديد من الحالات الصعبة والمزمنة، ويخفف من التكاليف العلاجية الصعبة".
وأشار إلى أن "المشفى لم يمارس عمله حتى اللحظة، وسيكون تحت عيون وسيطرة الأجهزة الأمنية بغزة، متابعاً خلال سؤاله عن الأخطار الأمنية التي تدور حول إنشائه، "الأمر يعود للشعب الفلسطيني والهيئة العليا لمسيرات العودة والأجهزة الأمنية وفي حال شكل تهديداً أمنياً بما يعرض حياة ومصالح أبناء شعبنا للخطر فمن وافق عليه يستطيع الانسحاب في أي وقت".
وكانت مؤسسة "Friend Ships" الأمريكية غير الحكومية، نشرت صوراً ومقاطع فيديو تظهر أعمال إنشاء وتجهيز المستشفى الميداني الأمريكي قرب معبر بيت حانون "إيرز" شمال قطاع غزة، حيث أظهرت الصور ومقاطع الفيديو أفراد وحدة الهندسة في المؤسسة، أثناء قيامهم بتركيب معدات المستشفى، حيث أن أعمال التركيب بدأت يوم 21 من شهر نوفمبر 2019.
فيما قالت مواقع إعلامية عربية ودولية استقصائية من بينها موقع "المونيتور"، إنه بالرجوع إلى تاريخ المشفى ورحلة عمله في مناطق النزاع، إلى تمركزه في سوريا قبل نقله، فيما تبين أن اسمه تردد في الكثير من التحقيقات الدولية والاحتجاجات الروسية والسورية لدى الأمم المتحدة.
ومن ضمن "الشبهات" بحسب المواقع، ورود اسم المشفى في تحقيقات دولية لها علاقة بالتجارة في الأعضاء البشرية، إضافة إلى عدم تحكم الطرف الأمريكي وحده به وأن أجهزة مخابرات غربية و"إسرائيلية" كانت تعمل من خلاله.
وكانت "حماس" صرحت على لسان الناطق باسمها حازم قاسم، أن إنشاء المستشفى الميداني الجديد في شمال القطاع، جزء من التفاهمات الأخيرة بين الفصائل الفلسطينية، والاحتلال الإسرائيلي، برعاية مصرية والأمم المتحدة.
وأوضح قاسم، أن قرار إنشاء المشفى، جاء لأن جزءً من الحصار أثر على الأوضاع الصحية بشكل كبير في قطاع غزة، بسبب السياسة الإسرائيلية، وإهمال حكومة الضفة الغربية في التعامل مع الحالات المرضية في غزة، مبيناً أنه بسبب تردي الوضع الصحي بغزة، تم الاتفاق على مسارين، الأول: إدخال الدواء لغزة من جهات مانحة، والآخر: إنشاء مشفى ميداني يتبع لجهات خيرية إنسانية باتفاق مع كافة الفصائل الفلسطينية.
وكشف، أن عمل المشفى سيكون بالتنسيق الكامل مع وزارة الصحة في قطاع غزة، والأجهزة الأمنية في القطاع من مسؤوليتها تأمين المشفى، كما تقوم بدورها مع بقية المؤسسات العاملة في القطاع، مشيراً إلى أن من يعارض إقامة المشفى الميداني، يريد إبقاء الحصار المفروض على القطاع، واستمرار الأزمة الإنسانية والصحية، من أجل تحقيق أهداف فئوية حزبية ضيقة.
يشار إلى أن إنشاء المستشفى لقي رفضاً شعبياً وفصائلياً واسعاً خصوصاً من بعض فصائل منظمة التحرير وعلى رأسها "فتح"، وذلك لشبهات أمنية مرتبطة بموقعه بالقرب من السياج الأمني الخاضع لسيطرة الاحتلال وغيرها حول المشفى والجهة المتحكمة به وكذلك ألية إدارته.
الانطباع الشعبي لكافة الأحداث المتتالية في تلك المرحلة، كان أكثر صدقاً ويُنبئ عن غرق الموقف في نفس الرمال المتحركة التي تبتلع نفس الأحداث الميدانية ولكن بشكل منفصل منذ بداية مسيرات العودة يوم 30 مارس 2018، ليبقى السؤال ما هي الخطوة المقبلة؟.
المصدر : الوطنية - فادي بارود