يقف والد الطفل محمد قوطة (10 أعوام) عاجزاً عن تقديم أي مساعدة لطفله المصاب بالفشل الكلوي الذي تتدهور حالته الصحية أمام عينيه يوماً بعد يوم.
6 سنوات من إصابة محمد بالمرض أنهكت جسده الصغير، فلم يعد قادراً على تحمل المعاناة التي يواجهها أثناء عملية الغسيل.
ويقول لـ "الوطنية": "تم تحويل ابني إلى مستشفى المقاصد لتركيب لاين (جهاز صغير يوضع على الوريد من أجل مساعدته في تنقية جسمه من السموم) في رقبته بعد ما أصيب بجلطة تسببت بتلف اللاين في يده".
وقد أصيب محمد قبل شهر ونصف بآلام شديدة في البطن أثناء عملية الغسيل، وعلى إثرها أصبح يغسل وهو تحت تأثير المخدر لتخفيف الألم.
ويضيف: "قبل عاملين سافر بتحويلة إلى مصر لإجراء عملية الزراعة مع شقيقه المتبرع، وبعد انتظار أربعة أشهر لم تتم التغطية المالية، وعاد إلى غزة ليعيش العذاب والألم من جديد".
حالة "قوطة" ليست الوحيدة في مستشفى الرنتيسي بمدينة غزة، فهناك عشرات الأطفال المرضى المصابون بالفشل الكلوي يعانون الأمرين بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يواجهها أهلهم، وعدم توفر فرص العلاج المناسبة، لا سيما زراعة الكلى.
الطفل رأفت السطري (10 أعوام) والذي يبدو أصغر من عمره الحقيقي بسبب ضعف هرمونات النمو الناتجة عن نقص التغذية، يتمنى أن يجري عملية الزراعة لكي يستطيع الذهاب إلى المدرسة ويحصل على التعليم الذي يمكّنه من أن يصبح طبيباً يعالج الأطفال المرضى.
وبنظرات يأس باتت واضحة على عينيه اللتين لم تسلما من المرض، يجلس على كرسي بانتظار أن يأتي دوره للغسيل بعد أن تفرغ إحدى الآلات يقول: "ازهقت من الغسيل والعلاج ونفسي أزرع عشان أرتاح من التعب".
ويعاني السطري منذ 4 أعوام من مرض الفشل الكلوي، وبسبب صعوبة الأوضاع الاقتصادية لم يتم توفير التغطية المالية لهذه العملية.
ولم يكتفي المرض بالقضاء على جمال طفولتهم من لعب ومرح كباقي الأطفال الذين يماثلونهم بالسن، فقد حرموا من أهم حقوقهم بالحياة وهو التعليم.
أما الطفلة تسنيم حجي (14 عام) والذي منعها المرض من أن تذهب إلى مدرستها، تبتسم رغماً عن ذلك وتقول: "نفسي كل العالم يسمعني ويوفروا لي العلاج اللازم"، متمنيةً أن تزرع كلى لكي تستطيع اللعب والمرح كباقي أطفال العالم.
وكانت تجلس بجوارها والدتها التي ترافقها بشكل دائم ثلاث مرات أسبوعيًّا للغسيل المستمر منذ 3 أعوام، تقول لـ "الوطنية": "أجرت تسنيم خلال شهر واحد أربع عمليات، وهذا أتعبها كثيراً وأثر على صحتها".
وتتعرض تسنيم أثناء عملية الغسيل إلى نزيف قد يضطر الأطباء إلى فصل الجهاز عنها، واستكمال الغسيل في وقت آخر، ويتطلب ذلك الحضور إلى المستشفى أكثر من مرة في اليوم، مما يزيد العبء على عائلتها.
ولم تقتصر معاناة المرض على الأطفال المصابين بل طالت ذويهم نتيجة لشعورهم بالضغوط النفسية التي يعانيها المريض، إضافة إلى ما يحتاجه المريض أثناء عملية الغسيل من رعاية خاصة تتطلب الكثير من التكاليف التي لا تستطيع عائلاتهم تغطيتها بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع.
ويقول الناطق باسم وزارة الصحة أشرف القدرة للوطنية إن 35 طفلاً يعانون من الفشل الكلوي في قطاع غزة ويحتاجون إلى غسيل شبه يومي.
ويشير رئيس قسم أمراض الكلى في مستشفى الرنتيسي نبيل عياد إلى أن هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى عملية الغسيل بواقع 3 إلى 4 مرات أسبوعياً لفترة تتجاوز 4 ساعات.
وأوضح أن عملية الغسيل هي مرحلة انتقالية إلى لحظة ما يتم عملية الزراعة لهؤلاء الأطفال، وإلا سيضطرون للاستمرار في عملية الغسيل دون انقطاع، وهذ يؤثر على صحتهم وقد يفقدوا حياتهم.
وعن تأثير الوضع الاقتصادي على حياة المرضى، يقول عياد إن المستشفى جزء لا يتجزأ من قطاع غزة ومن الطبيعي أن يؤثر عليها الحصار الذي نعيشه في هذه الفترة.
ويضيف " ماكنة الغسيل تحتاج إلى وجود التيار الكهربائي بشكل مستمر، ولكننا نعاني في المستشفى من انقطاعه بشكل مستمر، وهذا من شأنه أن يؤثر على جودة المكينة، وبالتالي سيؤثر على حياة الأطفال".
وبما يتعلق بدور وزارة الصحة تجاه مرضى الكلى يقول عياد، إن البروتوكول المعمول به داخل الوزارة هو وجود متبرع من أقرباء الدرجة الأولى للطفل، ومن ثم يأتي دورها بتحويله سواء إلى الضفة الغربية أو خارج الأراضي الفلسطينية، لإجراء عملية زراعة الكلى.
ويناشد ذوي هؤلاء الأطفال الرئيس محمود عباس والمسؤولين والعالم أجمع بالنظر للمعاناة التي يعيشها أبنائهم المرضى، وإيجاد حلول لهم سواء بتوفير العلاج اللازم أو الموافقة على التحويلات لمن يحتاج إلى عملية زراعة.
المصدر : الوطنية - إسراء شحادة