تشهد المنطقة العربية برمتها صراعاً كبيراً منذ أكثر من 6 سنوات بسبب ما يسمى "الربيع العربي"، مما أثر على القضية الفلسطينية بالسلب فهمشت كثيرًا، خصوصًا وأن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قد توقفت في شهر إبريل لعام 2014.

إلا أن آخر تحركات القيادة الفلسطينية ممثلة بالرئيس محمود عباس على الصعيد الدولي والعربي، وزيارته للبيت الأبيض للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعطت مؤشرات بقرب صياغة الحل وتحقيقه على أرض الواقع، خاصة بعد تخوفات نتنياهو بفرض الحل عليه.

وينظر محللين سياسيين إلى هذه التطورات، أن الشعب الفلسطيني يسير إلى إعلان دولته في صفقة قادمة بين دول إقليمية ودولية، إلا أن هناك من لا يعول على أي حراك أمريكي بناءً على التجارب السابقة.

ويقول المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو، إن المؤشرات تدل على قرب حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلا أن الرؤية حول ملف الدولة حتى الآن ضبابية، لكن من المؤكد التوصل إلى صيغة قد لا ترضي كل الأطراف وقد تكون مجحفة بحق الفلسطينيين.

وأكد سويرجو لـ الوطنية، أن العالم الآن بدأ بأخذ خطوات جدية لإعادة ترتيب المنطقة التي دمرها "الربيع العربي"، وهذا يستوجب التسريع من قبل الدول الإقليمية والدولية لإنهاء ملف القضية الفلسطينية كونها الأكثر تعقيدًا ومركزيةً في الشرق الأوسط.

وشدد على أن الحل المطروح ليس من أهدافه مصلحة الشعب الفلسطيني وإنما حفظ مصالح ما يسمى "الحلف السني" الذي يتكون من دول عربية كـ "وكيل أمريكي" لحماية أمن إسرائيل، وفق رؤيته.

وأوضح أن اجتماع القمة الأمريكية الإسلامية الذي سيعقد بالرياض في 21 مايو المقبل، سيكون حجر الأساس لإعلان المحور السني، مضيفًا "أن الدولة الفلسطينية المخطط إقامتها هي دولة هزيلة منزوعة السلاح تخضع للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، فيما سيكون هناك انفراجه اقتصادية كبيرة لضمان استمرار الحل".

تغيير موازين القوى

وأكد، أنه وبالرغم من عدم التغير في موازين القوى لم تعد اسرائيل المتحكم الوحيد بالقرار، حيث برزت مصالح جديدة في المنطقة للاعبين جدد، حتى أن بعض الشركاء داخل الحركة العالمية الصهيونية أصبحوا مع حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وعلق على موقف اليمين المتطرف الإسرائيلي الرافض لإقامة دولة فلسطينية، قال:  " هناك الكثير من الضغوطات التي سوف تمارس على قيادته لإخضاعه بقبول الصفقة المقبلة، خاصة وأن اللوبي اليهودي جلس مع الرئيس عباس بواشنطن ووضع ملامح المرحلة المقبلة".

وتابع "أن مستوى الضغط على الأحزاب الصهيونية الرافضة للصفقة سيرتفع بشكل مضطرد، إلى حين الوصول إلى المؤتمر الدولي في نهاية شهر أيلول المقبل، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، على مبدأ تبادل الأراضي بنسبة 25%".

حنكة سياسية

بدروه، شدد المحلل السياسي طلال عوكل على أن السياسة التي ينتهجها الرئيس محمود عباس في إطار الصراع مع إسرائيل والإطار الدولي تعبر عن خبرة وحنكة سياسية، حتى لو لم تتحقق الدولة الفلسطينية في الوقت الحالي.

وأكد عوكل لـ الوطنية، أن القضية الفلسطينية أصبحت جزءًا من ضمير المجتمع الدولي وذلك بسبب المكاسب التي تم تحقيقها على المسرح الدولي.

وأضاف "الخطط الاستعمارية الإسرائيلية تهدف إلى تبديد الشعب الفلسطيني ونهشه وتذويبه في المنطقة العربية، واليوم لا يمكن لأحد أن يتجاوز أكثر من 12 مليون مواطن فلسطيني وعدم تقرير مصيره أو المساعدة بذلك".

الفرصة الأخيرة

وأوضح، أن الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب تضع فرصة قد تكون الأخيرة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، معتبرًا أن الفرصة المطروحة غير مضمونة النتائج لأن تصل إلى مستوى دولة، إلا أن جدية الخطوة تأتي من خلال الحشد العربي والإسلامي والدولي لإنجاحها، حيث أكد أن إسرائيل قادرة على إفشالها كما فعلتها مرات عدة.

دولة غزة

وفي سؤاله عن أثر الانشقاقات في داخل البيت الفلسطيني وأثرها على ما هو مطروح دوليًا من إقامة للدولة الفلسطينية وتقرير مصير الشعب الفلسطيني قال: الحكومة الإسرائيلية تستغل حالة الانقسام الحالية لتمرير مخططها بدولة فلسطينية في غزة فقط.

وشدد على أن إسرائيل في حال فشل الإدارة الأمريكية بفرض حل للصراع، ستبدأ بتنفيذ مخطط دولة غزة وبهذا تكون قد ابتلعت الضفة الغربية تمامًا، إلا أنها "لن تسمح بغزة مدججة بالسلاح وسيكون الثمن غالٍ ولن يبقى حجر على حجر ثمنًا لفرض أجندتها"، حسب قوله.

وأكد، أن الرئيس خلال حراكه الدولي والعربي ذهب لعرض مقترح فلسطيني، وليس هناك ما يشير إلى أنه ذاهب ليتلقى أوامر، وإنما الاتفاق على حل لبدء المفاوضات من حيث انتهت وهذا ما رفضته إسرائيل مسبقًا.

تصلب وتطرف

ومن جانبه، أكد المحلل السياسي وسام عفيفة، أنه لا يوجد جديد في ملف إقامة دولة فلسطينية، وكذلك تشير كل المعطيات حتى اللحظة في الداخل الفلسطيني أو في البعد الإقليمي وكذلك الإطار الدولي.

وقال عفيفة، إن هناك مزيد من التصلب والتطرف في الموقف الإسرائيلي تجاه الحل، خاصة وأنه لا وجود لأي ضغط فلسطيني أو عربي أو دولي وإجبارهم لتقديم تنازلات بهذا الخصوص.

وأضاف "الحكومة الإسرائيلية اليوم تعمل على تقديم القضية الفلسطينية كأزمة للسكان بحاجة إلى توفير الحد الأدنى من متطلباتهم المعيشية"، وذلك من خلال تمرير مشروع "السلام الاقتصادي" المبني على تبادل المصالح من قبل الاطراف الفلسطينية والعربية.

وأوضح أن الصراعات الإقليمية في المنطقة أدت إلى تفكير الكثرين باستخدام القضية الفلسطينية كأداة لفتح علاقات إسرائيلية عربية، بذريعة محاربة الإرهاب والمصالح الاقتصادية وغيرها.

وأكد أن هناك مسار جديد بدأ بالظهور برعاية أمريكية للتطبيع مع إسرائيل من قبل الدول العربية، ومن خلال ذلك يتم حل القضية الفلسطينية على مبدأ تبادل الأراضي، مما أدى إلى عدم تحديد مفهوم معين لمعنى الدولة بشكل عام.

المصدر : الوطنية - فادي بارود