شهد يوم 17 أبريل 2019 "مظهرا فلسطينيا" مثيرا، بعد اعلان نتائج انتخابات مجلس طلبة بيرزيت، حيث سارعت حركة فتح (م7) لتؤكد فوزها "الكاسح" بتلك الانتخابات، وأهدتها الى "أرواح الشهداء والأسرى وضحايا الانقلاب في غزة"، بيان يمكن وصفه بالبيان الغبي بكل ما لها من أركان، فيما أصدر رئيس فتح (م7) محمود عباس بصفته الحزبية تصريحا مشيدا بهذا الإنجاز، دون أن ينسى أيضا التركيز على "البعد الديمقراطي" للعملية الانتخابية، في وصف غريب بعد مسلسل "جرائم" مطاردة كل معارض لشخصه قبل موقفه.
فيما تصرفت حماس بهدوء أكثر ومنطقية أوضح، في الحدث الطلابي، لكنها لم تكتف بما حققت، فذهب أحد قادتها ليؤكد على تمسكهم بالعملية الديمقراطية، مع أن دماء شباب حراك "بدنا نعيش" لا تزال شاهدة بغير ذلك، بل انهم خرجوا بتهم مضافة أنهم حاولوا تنفيذ "مؤامرة خارجية" لـ إسقاط "حكم المقاومة".
ليكن ما كان كلاما يعلم الشعب انه والصدق لا يلتقيان، فدروس انتخابات الجامعة الأعرق في فلسطين، عديدة وهامة، وتكشف ان "التعايش السلمي" بين جناحي "السلطة" في شمال وجنوب بقايا الوطن ممكن، لو ان هناك قانون ملزم وقوة فوق قوة كل منهما، فاحترام نتائج الانتخابات ليس لأن كل من طرفي الانقلاب السياسي مؤمن حقا بالخيار الديمقراطي سبيلا الى ترسيخ النظام.
ما كان هو جزء من تقاليد الجامعة، لا يستطيع أي كان التلاعب به او الالتفاف عليه بانقلاب عسكري، او بخطفه بمراسيم غير شرعية، لاعتبارات عدة بينها وجود سلطات الاحتلال ذاتها.
انتخابات طلبة بيرزيت، كانت على الدوام، ما قبل تكوين أول سلطة وطنية في التاريخ الفلسطيني على أرض فلسطينية، عام 1994 وبعدها، عرسا ديمقراطيا ومقياس للمزاج الشعبي العام، ومدرسة لتكوين قيادات شبابية لاحقة، كانت محل متابعة من "القيادة الفلسطينية" زمن الخالد أبو عمار.
الانتخابات الأخيرة، سجلت تساويا تصويتا بين قطبي الكارثة الوطنية، مع فارق أصوات لا يعتد به من ألاف الأصوات، ما يكرس ثنائية المعادلة السياسية، كمؤشر أن تعزيز سلطتي الأمر الواقع الخيار الأكثر حضورا من انهاء البعد الانقسامي نتاج ذلك.
وبلا شك، فقد أكدت الانتخابات هشاشة ما يعرف بـ "التجمع الديمقراطي" الذي فشل فشلا ذريعا، حيث لم يتمكن من تشكيل قائمة انتخابية كان لها أن تصبح عنوانا للمترددين، بأن هناك "بديل جاد ومسؤول"، لكنهم تنازعوا فذهب ريحهم، ربحت الجبهة الشعبية 5 مقاعد مقابل 46 لفتح (م7) وحماس، بينما تعثرت جدا الجبهة الديمقراطية التي حصلت على 111 صوتا من عدة آلاف، في حين يمكن القول إن حزب الشعب لم يعد له وجود يذكر، حيث حصلت قائمته على 33 صوتا، ولا اعتقد أن أي حزبي تخيل تلك النتيجة.
"اليسار" الذي يتحدث كثيرا عن ضرورة الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام، قدم "النموذج الأسوأ" لما يتحدث به، فلا تمكن من توحيد صفه الخاص، ولا حقق تقدما ملموسا يمكن الاعتداد السياسي به، يستخدم كسلاح في وجه طرفي الانقسام، بأن هناك "بديل شعبي مقبول"، بل أن النتيجة ستزيد من حجم المترددين في العمل السياسي، بعدما فشل، أيضا، هذا "اليسار" في توحيد موقفه من حكومة رام الله، حيث شارك حزبين بها تحت تبريرات واهية.
الدرس البليغ جدا، ان غالبية فصائل منظمة التحرير لم تعد حاضرة بالمعني الشعبي داخل بقايا الوطن، وفي أي عملية ديمقراطية لن يبقى منها سوى مسميات لها "تاريخ"، ما يشير أن حكومة رام الله لا علاقة لها بالبعد الشعبي الذي حاولت الاتكال عليه.
نتائج "بيرزيت" بشكلها الديمقراطي محل افتخار وطني، لكن نتائجها تمثل نذير شؤم سياسي!
ملاحظة: تباهي الحمساوي خليل الحية، بأن تفاهمات حركته مع إسرائيل حققت "إنجازا تاريخيا" بأن "سمحت" تل أبيب بزيادة مساحة الصيد...تخيلوا أي افتخار يفتخر هذا المفتخر، فيما لا يترك نصا بذيئا ضد أتفاق أوسلو الذي أنجز كيانا...انها حماس!
تنويه أمدي: أي صدفة ذلك "الاهتمام السياسي" العالمي بتشكيل حكومة أشتية...هل هو استعداد عملي للخطة الأمريكية وآلية التنفيذ ام تحضير استباقي لمرحلة ما بعد عباس...سؤال وبس!