منذ بداية العام الجاري، ارتفعت وتيرة العمليات التفجيرية ضد قوات الاحتلال عبر العبوات الناسفة في الضفة المحتلة والمدن المحتلة عام 1948، وهو ما قد يعزز فرضية انبعاث مهندس جديد للمقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة مثل يحيى عياش، الأمر الذي ينظر إليه الاحتلال بوصفه "أكبر حدث" يُمكن أن يعيد عجلة التاريخ إلى الأعوام الأولى من الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
يستشعر الاحتلال حال الخطر الشديد نتيجة تزايد العمليات التفجيرية عبر العبوات الناسفة التي يزرعها مقاومون في أماكن عالية الحساسية في "دولة" الاحتلال. لذلك، عقدت المستويات والهيئات الأمنية المختلفة في كيان الاحتلال اجتماعات عالية المستوى لمتابعة هذه الحوادث.
وأعلن وزير "الجيش" يوآف غالانت ترؤّسه مشاورات أمنية رفيعة المستوى لم يكشف فحوى موضوعاتها، فيما قالت وسائل إعلام إنّها تمحورت حول "التفجير الذي وقع قبل أيام في منطقة مجدو، والتتابع المقلق لعمليات التفجير"، موضحة أنّ رئيس هيئة أركان "الجيش" هرتسي هليفي، ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بارك، ورئيس شعبة العمليات، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وضباطاً آخرين رفيعي المستوى، شاركوا في الاجتماع الذي ترأّسه غالانت.
إنّ القلق الذي ينتاب المنظومتين الأمنية والعسكرية في "دولة" الاحتلال ينبع من تنامي العمل المقاوم في الضفة الغربية المحتلة، وتطور الأدوات التي يستخدمها المقاومون في الضفة، ففي الوقت الذي تراجعت عمليات الطعن وزادت عمليات إطلاق النار تجاه نقاط الاحتلال، ارتفعت وتيرة العمليات الفدائية ذات التأثير الكبير باستخدام الأسلحة الرشاشة والمسدسات.
ولكنّ أكبر قلق حالياً ينبع من التطور المقبل للعمل المقاوم، ومن انبعاث مهندسين جدد يعيدون سلسلة العمليات التفجيرية في "دولة" الاحتلال، فيما تزداد التخوفات من تصعيد كبير خلال شهر رمضان المقبل من دون السيطرة على الأوضاع في الضفة المحتلة.
"الجيش" والمنظومة الأمنية يخشيان سيناريو أخطر مما حدث خلال معركة "سيف القدس"، إذ إنّ معركة مع غزة تشارك فيها الضفة بهذا الزخم من العمل المقاوم ستكون عواقبها وخيمة على "دولة" الاحتلال التي تعاني أصلاً حالة انقسام داخلي عميق، وعدم ثقة بالحكومة الحالية، وتراجعاً في الدافعية للقتال لدى الجنود.
لذلك، فإنَّ عمليات الضفة والداخل المحتل تزامناً مع حرب في غزة وإطلاق مكثف للصواريخ ستؤدي إلى سيناريو صعب لا يمكن تصوره على مختلف المستويات في الجبهة الداخلية و"الجيش" والأمن.
من ناحية ثانية، يرى الاحتلال أن الخطر الكبير هذه المرة يتمثل في أنَّ العبوة الجديدة التي تمَّ العثور عليها في منطقة مجدو شمال فلسطين المحتلة ليست بدائية، وهي متطورة وملأى بالشظايا، وهو الحدث الذي يطرح أسئلة عدة عند "الجيش" والأجهزة الأمنية لدى الاحتلال: هل يوجد حالياً مهندس مثل يحيى عياش في الضفة أو خلية تمتلك قدرات عالية في صنع العبوات الناسفة؟ وهل هناك تهريب لعبوات ناسفة من لبنان تجاه الداخل المحتل بدأت بعض الخلايا باستخدامها؟ والأخطر هل توجد خلايا من فلسطيني الداخل المحتل عام 1948 تعمل حالياً وتتولى مهام صناعة هذه العبوات أو زراعتها؟
المنظومة الأمنية تقدّر أنَّ العبوة الناسفة مشابهة للعبوات التي كان "حزب الله" اللبناني يصنعها إبَّان احتلال جنوب لبنان، والتي كان يفجر بها آليات الاحتلال عبر زراعتها على جانب الطريق، وترى أنّها "غاية في الخطورة"، لما سيكون لها من تأثيرات في مناحي الحياة داخل "دولة" الاحتلال.
ويتصاعد القلق لدى المستوى الأمني في ظلِّ العثور على عبوات عدة خلال الأيام الماضية، وفي مناطق مختلفة من مدن المركز وشمال فلسطين المحتلة، من دون الوصول إلى طرف خيط عن المنفذين، فيما لا تزال الإنذارات تتصاعد بإمكانية وقوع عمليات تفجير جديدة.
القلق الذي ينتاب الاحتلال خلال الأشهر الأخيرة يتمحور حول الخشية من سلسلة عمليات تفجيرية في مناطق مختلفة في الضفة والقدس ومدن الداخل المحتل عام 1948، بعد سلسلة من المؤشرات السابقة إلى وجود توجه لدى المقاومين في الضفة المحتلة لصناعة المتفجرات واستخدامها عن بُعد، إذ استشهد المقاوم من كتيبة جنين تامر النشريتي أثناء تصنيعه عبوة ناسفة في شهر كانون الأول/ديسمبر 2022، وأعلنت "سرايا القدس" في المدينة تصنيعها عبوة ناسفة باسمه.
وفي هذا السياق، جاء إعلان الاحتلال اعتقال عدد من المقاومين بتهمة تصنيع متفجرات، إذ أعلن جهاز الأمن العام "الشاباك" اعتقال عامل فلسطيني من قطاع غزة، بزعم تجنيده لدى حركة الجهاد الإسلامي لتنفيذ عملية تفجير في حافلة في جنوب فلسطين المحتلة.
وادّعى "الشاباك" أنّ العامل تعلّم تصنيع العبوات المتفجرة على يد خبير متفجرات في غزة. وعند دخول الأراضي المحتلة، بدأ بجمع المواد لإعداد العبوة الناسفة. وقد تمّ ضبط هذه المواد عند اعتقاله.
من يقرأ مشهد المقاومة في الضفة يدرك جيداً أننا على أبواب مرحلة جديدة من الصراع مع الاحتلال، عنوانها تصاعد العمل المقاوم وتطور أدواته، وعودة مهندسي المقاومة إلى الظهور من جديد في الضفة، وصناعة معادلات جديدة مع العدو في مختلف الساحات.